منظومة "مسار" و"الحركة
التلاميذية"
---------------------------------------------
مـحـمـد أقــديــم *
إنه لأمر
غريب كيف يعمل الكثيرون على تهريب النقاش
حول برنامج "مسار" بإنزال "طائرة " منظومة "مسار" في "حديقة" أزمة قطاع التربية و التكوين بالمغرب، فعدم
معرفتهم ب"مسار" و أهدافه
جعلتهم يقومون بتعويم النقاش و الفرار به الى الحديث عن أزمة التعليم و مشكل التربية و
التكوين بصفة عامة، ليجتروا نفس السمفونية
المشروخة حول أزمة قطاع التربية والتعليم ، وهي أزمة
تُقِرُّ بها أعلى سلطة في الدولة و يشعر بها أبسط مواطن في أبعد نقطة نائية في البلاد. و هذا ما يكشف بدوره عن أزمة لدى
نخبنا السياسية و التربوية و الاعلامية المفلسة. و إنه لأمر عجيب كيف يسعى
البعض الى تحميل التظاهرات الاحتجاجية
للتلاميذ ما لا تحتمل من قراءات سياسية و خلاصات ايديولوجية، حيث يعتبرون كل
"صيحة " في الشارع شرارة
لاندلاع الثورة الموعودة و الانتفاضة الموهومة ضد النظام ، حيث يشرع هذا البعض في التصفيق و
التهليل لها دون حتى أن يدرك مضمونها الاحتجاجي، و لا أهداف التلاميذ من ذلك
الاحتجاج.
منظومة "مسار" :
"مسار" في أصله منظومة معلوماتية ستدمج و ستجمع بين ثلاثة برامج معلوماتية تشتغل بهم وزارة
التربية الوطنية منذ موسم 2006 \2007 ، و
ستطور خدماتها، و هي برنامج:"esise " الخاص بإحصاء التمدرس و فضاءات الاستقبال و الدعم
الاجتماعي، و برنامج " gresa" الخاص بقاعدة المعطيات الأساسية للمؤسسات
التعليمية، و برنامج " massir" الخاص بالموارد البشرية. و هذه
البرامج لا تميز بين التعليم العمومي و الخصوصي، حيث تتوفر المؤسسات الخصوصية كما
العمومية على أقنان
الولوج الى هذه البرامج، و تقوم بمسك معطياتها بها في أوقات معينة من كل سنة . و
نفس الأمر يسري على منظومة "مسار". فهذه المنظومة ستوفر لصانعي القرار
التربوي معطيات دقيقة و شاملة و غنية حول القطاع التربوي، وستوفر على الادارة
التربوية الكثير من الجهود و الطاقات،
سواء على مستوى المؤسسات التعليمية، أو على مستوى النيابات و الأكاديميات، أو على
مستوى الادارة المركزية، كما ستكون منظومة
"مسار" من الآليات التي ستساهم في
دعم اللامركزية و اللاتمركز في التدبير التربوي و الاداري بوزارة التربية
الوطنية، وتجعل منظومة "مسار " المؤسسة التعليمية محورا لمعظم العمليات التربوية و الادارية،
وهذا ما يفرض ضرورة تأهيل الادارة التربوية تقنيا و اداريا و دعمها بالموارد
المالية و البشرية اللازمة، و هذا ما سيدفع بالوزارة كذلك الى إعادة النظر في
معايير اختيار المديرين . فالمديرون هم مركز الثقل في تنزيل هذه المنظومة
المعلوماتية، و هم أول من شرع في العمل بها بعد دورات تدريبية عليه طبعا، من خلال
مسك معطيات مؤسساتهم، و لذلك غير مفهوم كيف
يحتج التلاميذ و الأساتذة على "مسار "، و هم الذين لا علاقة لهم بها إلى
حد الآن ، حيث لم تصل بعد مرحلة اشتغال الأساتذة على برنامج " مسار"
باستثناء مسك نقط الفروض، التي ليست سوى عملية في غاية البساطة، و معظمهم كان يقوم
بها في برامج معلوماتية أخرى قبل "مسار"، و عليه قد يكون احتجاج السادة المديرين مقبولا و
مفهوما، لانهم يشتغلون على مسار، و تواجههم العديد من العراقيل التقنية و
المهاراتية في العمل به ، أما التلاميذ و الأساتذة فاحتجاجهم لا معنى و لا تفسير
له، فالتلاميذ لا علاقة لهم
بالبرنامج الا في مرحلته النهائية عندما سيكون لأباءهم و أولياء أمورهم "كلمة
المرور" للاطلاع على كل نتائجهم الدورية والسنوية فيه و مراقبة تغيُّباتهم و وضعيتهم عبره.
كما لا يمكن أن تكون نتائج منظومة" مسار" الايجابية واضحة و
ملموسة حتى يتم استكمال تنزيل جميع
حلاقتها، و من أهمها على الاطلاق وثوقية
المعلومة الاحصائية "la
fiabilité de l'information d'éducation"، وهي حجر الزاوية في كل عملية تشخيص و تخطيط تربويين،
فسابقا كان بعض المديرين يزودون النيابات بالمعلومات التي يرغبون فيها، و يحجبون
ما يريدون منها، حيث يتلاعبون بالمعطيات التربوية حسب مصالحهم، و في بعض الأحيان
بالتواطؤ مع المسؤولين في النيابات. ثم إن منظومة "مسار" تمنح للتلميذ رقما وطنيا بمجرد تسجيله في السنة
الأولى ابتدائي، و يكون هذا الرقم الوطني ملازما للتلميذ أينما تسجَّل و انتقل، و طيلة مساره الدراسي و
الجامعي، و هذا ما يسمح بتتبع مسار "أفواج"
التلاميذ " les
cohortes" بالدراسات و البحوث و التقييم طيلة مسارهم الدراسي. و لا يدرك
أهمية و ضرورة هذه الخدمة إلا الباحثين المشتغلين و المهتمين بمجال
الديموغرافيا المدرسية، التي لا زالت بلادنا متخلفة فيها.
ثم إن
برنامج "مسار" سينصف التلاميذ المُجِدِّين و المجتهدين ،و يحررهم من ضغط
بعض الأساتذة المتاجرين بالنقط و الامتحانات،
و سيقوي مكانة الأساتذة النزيهين و المتفانين في عملهم، و يضمن الشفافية في التقويم و التقييم، مما يكفل
نسبيا نوعا من تكافؤ الفرص بين
المتمدرسين. فالمحتجين على برنامج “مسار” ، أو بالأحرى الذين دفعوا بالتلاميذ الى
الاحتجاج على شيء لا يعرفون عنه أي شيء ، يعلمون أن المراحل المستقبلية في تنزيل
منظومة تدبير التمدرس “مسار” تتجاوز إلزامهم على انجاز الفروض في وقتها ، و تفرض
عليهم نوع من الشفافية في تقويم التلاميذ، حيث لا تسمح لهم لا بتضخيم النقط و لا بتقزيمها
من خلال الأنشطة. و حيث ستأتي المرحلة التي
من المفروض فيها على الأستاذ ملء دفتر النصوص في “مسار” في نهاية حصته ، مما سيقلص
من التغيُّبات المتواطئ عليها مع الإدارة، و مما سيفرض كذلك على هيئة التفتيش القيام
بواجبها في التأطير و المراقبة التربوية، كما ستسمح المراحل الأخيرة من تنزيل
“مسار” بتوفُّرِ أباء التلاميذ و أولياء أمورهم على إمكانية الولوج إلى موقع
"مسار"، للاطلاع على نتائج
أبناءهم و تتبعها و مراقبة تغيباتهم . و لكل هذا دُبِّرَ الاحتجاج على “مسار” من طرف بعض من الأساتذة و بعض من المديرين، الذين ألفوا
“الريع التربوي ” و المتاجرة بالتغيبات و
المضاربة بالفروض و النقط، مستغلّين عدم فهم و وعي التلاميذ بأهدافهم الحقيقية. و
من هؤلاء من يعيش على فُونْطازْمْ تفجير "انتفاضة"
شعبية و إنجاز "ثورة" موهومة،
تكون ركيزها الأساسية "الحركة التلاميذية"، بعدما فشل في
تثوير الطبقة العمالية و في
استنهاض الفلاحين.
"الحركة التلاميذية" :
"الثوريون الجدد" يتحدثون عن تبلور حركة تلاميذية خلال
الاحتجاج "الموجه " ضد برنامج "مسار"، ويكتبون و بنوع من
النوسطالجيا الى تجربة "النقابة الوطنية للتلاميذ"، التي أسستها فصائل
"اليسار الجديد" في النصف الأول من السبعينيات من القرن الماضي ،
متجاهلين أن استدعاء تلك التجربة من الماضي يقتضي كذلك استحضار سياقاتها المجتمعية
و السياسية و الديموغرافية -المدرسية على الخصوص، و ما تشكله التطورات التي عرفتها من عوائق بنيوية تحول دون الحديث عما يمكن وصفه
ب "الحركة التلاميذية" . ففي الستينيات و السبعينات كانت أعمار معظم
التلاميذ كبيرة جدا، حيث لا يحصل الكثير من المتمدرسين على شهادة الباكالوريا الا
عندما تصل أعمارهم الخمسة و عشرون سنة، أي أنهم بالغين وراشدين و عاقلين و واعين،
حيث يسمح النظام التربوي للتلاميذ بالتكرار بلا حدود و بالتسجيل المتأخر في
المدرسة، و كان العديد من المتمدرسين متزوجا و هم لازالوا تلاميذ في السنة الخامسة
أو السادسة ثانوي مثلا (حسب التنظيم
التربوي لتلك المرحلة)، و هذا العُمْرُ والرشد و النضج و الوعي يسمح بتوجيه
التلاميذ فكريا و تأطيرهم نقابيا و سياسيا.
أما النظام التربوي حاليا فيفرض تسجيل التلاميذ بالسنة الاولى ابتدائي في سن السادسة، و لا يسمح بالتكرار الا مرتين فقط، طيلة المسار الدراسي للتلميذ، من الابتدائي الى التأهيلي، مما يعني أن الاغلبية الساحقة للتلاميذ ستحصل على البكالوريا في أقصى حد قبل سن العشرين ، و هذا ينتج عنه عدم النضج الكافي للتلاميذ و قلة وعيهم بالقضايا السياسية والاجتماعية ، و بالتالي ضعف انخراطهم و انضباطهم في التنظيمات المدنية، مما يحول دون تأسيس "حركة تلاميذية" في مستوى "الحركة التلاميذية" لمرحلة السبعينيات. و لذلك ليس مستغربا أن نرى أشكالا احتجاجية مائعة للتلاميذ ، و تظاهرات تطالب بتكريس الفساد و الريع التربويين أكثر مما تريد تغييرهما ، حيث يتكتل التلاميذ من أجل الدفاع عن الغش في الامتحانات، و من أجل الدفاع عن التغيب، و من أجل مواجهة الأساتذة و العصيان ضد الادارة التربوية ،و غيرها من السلوكات غير المدنية ، و هذا ما يعبر عنه أحد الشعارات التي تم رفعها في التظاهرات الاحتجاجية ضد برنامج مسار ، وهو " هذا عيب هذا عار ، الكسول في خطر".
أما النظام التربوي حاليا فيفرض تسجيل التلاميذ بالسنة الاولى ابتدائي في سن السادسة، و لا يسمح بالتكرار الا مرتين فقط، طيلة المسار الدراسي للتلميذ، من الابتدائي الى التأهيلي، مما يعني أن الاغلبية الساحقة للتلاميذ ستحصل على البكالوريا في أقصى حد قبل سن العشرين ، و هذا ينتج عنه عدم النضج الكافي للتلاميذ و قلة وعيهم بالقضايا السياسية والاجتماعية ، و بالتالي ضعف انخراطهم و انضباطهم في التنظيمات المدنية، مما يحول دون تأسيس "حركة تلاميذية" في مستوى "الحركة التلاميذية" لمرحلة السبعينيات. و لذلك ليس مستغربا أن نرى أشكالا احتجاجية مائعة للتلاميذ ، و تظاهرات تطالب بتكريس الفساد و الريع التربويين أكثر مما تريد تغييرهما ، حيث يتكتل التلاميذ من أجل الدفاع عن الغش في الامتحانات، و من أجل الدفاع عن التغيب، و من أجل مواجهة الأساتذة و العصيان ضد الادارة التربوية ،و غيرها من السلوكات غير المدنية ، و هذا ما يعبر عنه أحد الشعارات التي تم رفعها في التظاهرات الاحتجاجية ضد برنامج مسار ، وهو " هذا عيب هذا عار ، الكسول في خطر".
و ختاما هكذا تحول تنزيل برنامج معلوماتي
تقني، اقتنته وزارة التربية الوطنية، قصد تيسير العمليات التدبيرية والادارية
والتربوية ، كما اقتنت برامج أخرى، و كما تقتني الحواسيب و السبورات المعدنية و
غيره من اللوجيستيك التربوي، تحول الى حصان طروادة لدى بعض النخب المأزومة و المفلسة لتصريف مكبوتاتها السياسية، عبر أضعف
حلقة في منظومة التربية و التكوين و هي التلاميذ.
*مستشار في التخطيط التربوي
كـلـمـيـم
تحيات فريق مدونة فضاء الاستشارة والتوجيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق