"تقوم الأوطان على كاهل ثلاثة؛ فلاح يغذيها و جندي يحميها و معلم يربيها" عن جبران خليل جبران
"يتكفل الآباء بعيش أبنائهم، و يؤمن المعلمون العيش الكريم للجميع" عن أرسطو طاليس
ميز فليب ميريو انطلاقا من الطريقة التي يدرك من خلالها التفريق بين التلاميذ بين تصورين نظريين كبيرين في البيداغوجيا الفارقية، حيث نجد التشخيص القبلي أو التدبير التكنوقراطي للفوارق من جانب أول والإبداعية المنظمة أو القصدية القائمة على الإبداع والضبط من جانب آخر .
و يرى فليب ميريو أن التشخيص القبلي يقود إلى انحسار بيداغوجي سواء تعلق الأمر بعقلنة الوضعية التعلمية بغاية بلوغ تبولوجيا للعمليات الذهنية التي يمكن معالجتها أو الأخذ بعين الاعتبار جميع الفروق (الرمزية والعاطفية والاجتماعية) في استثمار بلا حدود .
يتجلى الانحسار في كون أنه لا علاج بيداغوجي يمكن استخلاصه ميكانيكيا من خصائص الموضوعات التي ليست في واقع الحال سوى موشيرات للموثوقية بالمقارنة مع المقترحات الديداكتيكية التي نتخيلها هناك دوما .
ويخلص ميريو في الأخير إلى أن التدبير التقنوقراطي للفروق يساهم في سلبية مكانة الذات في تربيتها الخاصة. فهو يخلط بين تكوين الأشخاص وصناعة الأشياء .
فالإبداعية المنتظمة لا تتوقف عند بيداغوجيا الأسباب، بل تتوخى الشروط.، كما أنها تتقبل الواقعية التي لا رجعة فيها القائلة بأنه ليس لدي سلطة مباشرة على وعي الآخر ولا يمكنني في جميع الحالات الاشتغال على تعلماته بشكل ميكانيكي .
إن الإبداعية في الممارسة البيداغوجية تعطي الحق للمدرس في الفعل ورد الفعل وسن طرق ووضعيات وعدد و تقنيات وأدوات بيداغوجية لتسمح للتلاميذ باختلافهم بالتعلم.
تجهتد هذه البيداغوجيا لتفكر في الشروط نفسها لخلق فضاءات وتوفير أدوات وإغناء المحيط والسماح بالتعبير؛ فهي مهتمة بجعل القسم مكانا للأمن بدون ضغط تقويمي دائم، ودون سخرية أو تهكم في حالة الارتباك أو الفشل. كما أنها تشجع على الرؤية الإيجابية وغير المتوقع وتنمية خيال التلميذ حتى يستطيع كل تلميذ في فارقيته إيجاد ما يسمح له بالتعلم. كما تعمل على إبداع وسائل جديدة بلا توقف .
والحاصل أن رهان البيداغوجيا الفارقية يرتبط بنموذج المجتمع المتطلع إليه فقط ، بل يرتبط بالتلميذ أساسا.
هناك نموذج آخر هو النموذج التقنوقراطي الذي يضع كل فرد في مكان قار، نموذج ينهل من العلم حول الفوارق بين الأفراد حتى يستطيع التخطيط أوالاستبعاد و التصنيف و القولبة و الضبط و التحكم ...إلخ .
نجد في المدرسة هذه المحاولة التوتاليتارية التي تدفع بمنطق العقلنة والتحكم إلى أقصى الأقصى مما يجعل هذا المنطق المتطرف يفضي إلى مدرسة حيث العلماء يعرفون مسبقا "شخصية" تلاميذهم- المرضى، وبالتالي يمكنهم وصف العلاجات وبرمجتها للوصول إلى المعارف التي حددوها. فمثل هذا النظام يتوخى، باسم الخير العام، تحديد، بالنسبة لكل فرد، مستوى العمليات الذهنية الفعلية والمكتسبات السابقة البنيوية والوظيفية، ونوع العلاقة مع المعرفة والتوجه الليبدي والاندفاعي، والاستراتيجيات التعلمية لكل فرد في المجال المعرفي والعاطفي والحسحركي ومستوى الانتباه وإيقاع التحصيل ودرجة المرونة الابستيمولوجية ونسبة الاندماج في المجتمع .
هناك من جانب آخر إيديولوجيا علمية كاملة تنطلق من النزعة البيولوجية مدافعة عن وهم أو يوتوبيا المساواة، معتبرة أنه على التربية أن تنطلق من المعطيات البيولوجية للوصول إلى غائية ساذجة. وإنه لمن الخطورة بما كان أن نضع المدرسة في مهب الإيديولوجيا البيولوجية بحتميتها الصارمة التي تعتبر الإنسان حيوانا كباقي الحيوانات .
فأمام هذا السيناريو الكارثي – الذي ليس فعليا خالصا- ولحسن الحظ فإن الذات الإنسانية تقاوم دائما، هناك من يرى بأن الغاية القصوى للبيداغوجيا الفارقية هي تحرير الفرد باعتباره كائنا حرا ومستقلا يتمثل مشروعه السوسيوسياسي في مجيء مجتمع متعدد، حيث يجد كل فرد في أي لحظة جميع الفرص للتفتح الأخلاقي والاجتماعي .
وحاصل ذلك أن هذه البيداغوجيا ترتكز على الفرد، على فرادة الفرد، على نوعيته في اختلافه حتى تمنحه كل إمكانات التفتح . وإذا ما استحضرنا تصور جون بيير أستولفي فإن مشروعا مثل هذا المشروع يكون وفيا لروح المعبئين للفارقية البيداغوجة حيث يظل الرهان بالنسبة إليها مرتبطا بدمقرطة التعليم. إنه الإجهاد من أجل تشغيل ساكنة من التلاميذ غير متجانسة أكثر فأكثر داخل نفس الأقسام تجتمع أكبر مدة زمنية ممكنة. ولبلوغ ذلك وجب اقتراح، بالنسبة للجميع، تنويعا في الأنشطة والعدد المؤسساتية لبلوغ الأهداف المرسومة. فدمقرطة النجاح المدرسي تناقض التوحيد المقارن الذي يصنف التلاميذ فيما بينهم ويترجم الفوارق باللامساواة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق